إما وظيفة وإما زواج

في كثير من الأحيان يكون إيجاد الحلول الصائبة للمشكلات ليس أمراً سهلاً، ومن ثم فإن الناس يغلب عليهم أن يتجهوا إلى الأخذ بأقرب ما يلوح لهم كحل للمشكلة التي تواجههم، دون تأمل أو نظر فيما قد يعقب ذلك من تبعات. من الحلول القريبة المتناول ما يطرحه البعض بين حين وآخر لمواجهة مشكلة البطالة بين النساء والرجال، فأحياناً يطالبون بإخلاء سبيل من هم على رأس العمل عن طريق تقديم سن التقاعد لإحلال من هم على قائمة الانتظار محلهم. وأحياناً يطالبون بإلزام الموظفات (القديمات) بالتقاعد المبكر لإحلال الشابات محلهن، وأحياناً أخرى يطالبون بتقليص مجالات عمل المرأة إلى أضيق الحدود، (ليس عن توجه أيديولوجي، وإنما لمجرد توفير الوظائف للرجال)، أما أحدث المطالبات فهو ما ذكر حول دعوة الموظفات من النساء المتزوجات الى التخلي عن وظائفهن لتشغلها الآنسات اللاتي لم يتزوجن بعد، (ليس لأن غير ذات الزوج متفرغة للعمل أكثر من المتزوجة ويتوقع أن يكون عطاؤها أفضل، وإنما لأن من المتوقع أن يكون العمل عوناً للآنسة الكريمة على العثور على زوج! فالعمل يتيح مساحة أكبر في الاختلاط بالناس والالتقاء بوجوه جديدة مما يوسع الفرصة في العثور على عريس!).
في مقال بعنوان (أيهما أولى بالعمل: المتزوجة أو التي لم تتزوج؟) كتب الأستاذ حمد القاضي في جداوله الرقراقة المنسابة بهدوء في صفحات الجزيرة (السبت 7/3/1429) يقول إنه قبل عام طالب بأن تعطى الأولوية في التوظيف للمطلقات والأرامل عندما تتساوى المؤهلات والخبرات لدى المتقدمات للعمل، وذلك لأنه يراهن الأحوج للتوظيف، (مادياً)، فالمتزوجة حسب وجهة نظرة مكفولة من الزوج، المسؤول عن الإنفاق وتوفير لقمة العيش، أما المطلقة والأرملة فإنها تحتاج إلى إعالة نفسها.
هذه الفكرة التي يطرحها الكاتب حول حاجة المطلقة والأرملة إلى إعالة نفسها، تسيطر على كثيرين، ولا أدري من أين تسربت إليهم، فما الذي يجعل المتزوجة مكفولة وغير المتزوجة ليست كذلك؟ إذا كنا نتحدث عن الشرع فمسألة الكفالة مضمونة للنساء، متزوجات وغير متزوجات، وهناك قائمة طويلة من المكلفين شرعاً بإعالة المرأة غير المتزوجة حسب درجة قرباهم لها كالوالد والأخ والابن والعم وغيرهم، فالمطلقة أو الأرملة تطبيقاً للشرع لا تعدم كافلاً لها من ذوي قرباها، فما الذي يجعلها في عيون البعض محتاجة مادياً أكثر من المتزوجة؟
ثم ما الحكم متى تزوجت المطلقة أو الأرملة بعد التوظيف؟ هل تفصل ليحل محلها امرأة لا زوج لها؟ أم تستمر في الوظيفة لتصير تلك الصفتين مجرد مطية للنساء إلى الوظائف، فيكون في ذلك تحريض مضمر للباحثات عن وظيفة على الطلاق، فيزداد سوق الطلاق ازدهاراً على ازدهار؟
ما يبدو لي هو أننا مازلنا ننظر إلى العمل منفصلاً عن الدور التنموي والإنتاجي الذي يرتبط به، فنتعامل معه على أنه شيء لسد الحاجة المادية ليس إلا، وهذا ما يجعلني أختلف مع الكاتب الكريم فيما ذهب إليه، ففي رأيي أن الأحق بالوظيفة هو من كان أكثر كفاءة، ليس من حيث المؤهل العلمي أو الخبرة فحسب، وإنما كذلك من حيث سمات الشخصية والوعي والحماسة للعمل، بصرف النظر عن الحالة الاجتماعية أو النوع: رجل أو امرأة، فكثير من مشكلاتنا التنموية نابعة من الهدر المادي والزمني بسبب التوظيف العشوائي أو المبني على الرحمة والإشفاق أو المجاملة.